محمد أبو أسبر
وطنية- بعلبك- افتتحت لجنة "مهرجانات بعلبك الدولية" على مدرّجات معبد "باخوس" في قلعة بعلبك الأثرية، موسمها الثقافي الفني لهذا الصيف بأوبرا "كارمن" من إنتاجها، تكريما للملحن الفرنسي جورج بيزيه، بعد قرن ونصف من عرضها للمرة الأولى في 3 آذار 1875 على مسرح أوبرا "Comique" في باريس.
وتعتبر "كارمن" من روائع الأوبرا العالمية، وتمتاز بجمالية موسيقاها وألحانها الكلاسيكية، بالإضافة إلى ما تزخر به من قصص حب ممهورة بالتمرّد والخيانة والمكائد والمآسي.
الحضور
حضر حفل الافتتاح، السيدة الأولى نعمت عون ممثلةً فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزاف عون، رئيس الحكومة نواف سلام وعقيلته سحر سلام، نائب رئيس الحكومة طارق متري، الرئيس فؤاد السنيورة، وزراء: الإعلام بول مرقص، المهجرين ودولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات والذكاء الإصطناعي كمال شحادة، السياحة لورا الخازن، البيئة تمارا الزين، الاقتصاد والتجارة عامر البساط، والشؤون الاجتماعية حنين السيد، النائب إبراهيم كنعان، السفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا، وسفراء: الولايات المتحدة ليزا جونسون، رومانيا رادو كاتالين مرداري، إسبانيا خيسوس سانتوس أوغوادو، إيطاليا فابريسيو مارسيللي، والاتحاد الأوروبي ساندرا دي وال، القنصل الفخري لدولة البرازيل في لبنان سهام الحاراتي، محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، السيدة منى الهراوي، رئيس بلدية بعلبك أحمد زهير الطفيلي، ونائبه عبد الرحيم شلحة.
دي فريج
وألقت رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية السيدة نايلة دي فريج كلمة جاء فيها: "فخامة الرئيس العماد جوزاف عون الممثل باللبنانية الأولى السيدة نعمت عون، دولة الرئيس القاضي نواف سلام، أصحابَ المعالي والسعادة، أيُّها الحضورُ الكريم، منذ سنواتٍ طويلة، ومنطقتنا -ولبنان بشكلٍ خاص- تَعيشُ بينَ الحربِ والهدنة، بينَ الأملِ والخوف، بين الحضور والغربة، في دوّامةٍ لا تنتهي. لكن، منذ سبعينَ عامًا، وفي وسطِ هذا الاضطراب، كانَ هناكَ نورٌ لا ينطفئ: مهرجاناتُ بعلبكِ الدولية، شُعلةٌ من الفنِّ والجمال، في وجهِ العتمةِ والقلق. أشْعَلها مَن سَبقَنا في هذهِ المعابد، بمبادرةٍ من الرئيسِ كميل شمعون، ونحنُ اليوم نَحملُها بكلِّ فخر، بدعم فخامةِ رئيسِ الجمهورية العماد جوزاف عون، الرئيس الفخري لمهرجاناتِ بعلبكِ الدولية".
وتابعت: "نعم، نحنُ مُستمرّون، حتّى حينَ تسقطُ الضَرباتُ الإسرائيلية في محافظة بعلبك. رَدُّنا ليسَ بالصمت، بل بالإبداع. ردُّنا ليسَ بالخوف، بل بالموسيقى، بالإصرار على الحياة".
ورأت أن "الفنُّ يعود اليوم لِيَملأَ المكان، مع المخرج العالمي جورج فيليب تقلا – اللبنانيُّ العائدُ من البرازيل – مع اسماء بارزة من لبنان، المايسترو توفيق معتوق، الفنّان التشكيلي نبيل نحّاس، مصمّم الأزياء ربيع كيروز، مُنشِدون ومنشدات، وكورال من لبنان وفرنسا، راقصون وراقصات من لبنان والبرازيل، وأوركسترا من رومانيا. يقدّمون أوبرا "كارمن" لـ بيزيه، مع نكهة لبنانية".
وأضافت: " كارمن هي هذه الإمرأة التي تغنّي الحرية،
صوتها يَصدح في مهرجانات بعلبك، ليصل إلى كل من يعاني بصمت، ويقاوم الخوف والجوع والظلم في مختلف أنحاء هذا الشرق، في رسالةٍ واحدةٍ إنسانيّة".
وأردفت: "لقد سمح لنا هذا الإنتاج أن نُعرّفَ الشبابَ على فنِّ الأوبرا، أن نُدرّبَ نساءً ورجالً على العملِ المسرحي وإبداع الأزياء، أن نجمعَ فنّانين من ثقافاتٍ مختلفة، وأن نُحيي الصناعةَ السياحية والثقافيةَ من جديد".
وأشارت إلى انه "من بعلبك أيضًا، ستُطلُّ علينا الفنّانةُ اللبنانية الشهيرة هبة طوجي، مع المنتجِ والمؤلّفِ الموسيقيِّ أسامة الرحباني، في عمل مبدع جديد".
وقالت: "لفنّانينا، الآتون من كل انحاء العالم، لرُعاةِ الفنِّ الكرام،
لفرقِتِنا التقنية، لفعّاليات بعلبك وأهلِِها الأكارِم، لجمهورِِنا الوفي، ألف تحيّة وامتنان. نقولُها بصوتٍ عالٍ: الثقافةُ هيَ رسالتُنا، وستبقى، هيَ إيمانُنا بالحاضر، وهيَ وَعدُنا لََكم بالمستقبل".
وختمت دي فريج: "وصلنا خبر "كتير حلو"، فخامة الرئيس العماد جوزاف عون منح وسام الاستحقاق اللبناني الدرجة الثالثة الفضي للمخرج جورج تقلا، تكريمًا للعمل الرائع الذي أنجزه في وقت قصير جدا، ليستطيع أن يحقّق هذه الأوبرا في بعلبك، رغم كلّ الصعوبات. حضرة اللبنانية الأولى نطلب منكم توصيل شكر عميق من المخرج جورج تقلا، لفخامة الرئيس، وشكر من لجنة مهرجانات بعلبك على هذه المبادرة التي تدلّ على اهتمامكم الحقيقي بالفن والثقافة".
الحفل
وَسَمَت لجنة "مهرجانات بعلبك الدولية" برنامجها الثنائي لهذا الموسم بعنوان «أعمدة الخلود»، وكانت موفَّقة في انتقاء العمل الذي أضاء أمسيتها الأولى: أوبرا "كارمن"، وفي اختيار الفنان اللبناني العالمي المخضرم جورج تقلا لإخراج العمل، فحمل خبرته الواسعة التي اكتسبها في مجال المسرحيّات الموسيقية والأوبرا، في كل من ساو باولو، ونيويورك، وبيونس آيرس، ويمّم وجهه من
موطنه الثاني البرازيل التي هاجر إليها قبل نصف قرن، ليحط الرحال في وطنه الأم، مكرّما من رئيس الجمهورية وبعلبك ومهرجانها.
وجمع العرض "الأوركسترا الوطنية للراديو الرومانية"، التي تضم أكثر من سبعين عازفًا وعازفة من جنسيات مختلفة، بقيادة المايسترو المتألِّق توفيق معتوق، والذي سبق أن شارك في قيادة الأوركسترا في رحاب قلعة بعلبك الأثرية عامي 2018 و2019، بحفلي: "ستابت ماتر" لروسيني، و"ركويام" لفردي.
وتم اختيار أربعة أصوات فرنسية للأدوار الرئيسيّة هي: ماري غوترو في دور «كارمن»، وجوليان بير في دور «دون خوسيه»، وجيروم بوتيليه في دور «إسكاميليو»، وفانينا سانتوني في دور «ميكاييلا»، إلى جانب مواهب محلّية في مجالات الغناء والرقص، ومنهم ميرا عقيقي، غريس مدور، فادي جان بار، جايسن شويفاتي، وسيزار نعسي. كما شارك في الغناء كورس الجامعة الأنطونية.
وصمَّم الأزياء اللبناني العالمي ربيع كيروز. في حين تولّى مشهديّة "الكوريغرافيا"، الفنّان التشكيلي نبيل نحّاس.
الأوبرا
محور "الأوبرا" إمرأة غجرية جميلة ومغرية ومتمرّدة تدعى "كارمن"، تعمل في مصنع للتبغ في إشبيلية، تطلق العنان لرغباتها لتأسر في حُبها من تعشق، ولكنهَّا توَّاقة إلى الحريّة، وهي التي تعتبر أن الحُب طائر بريّ عصي على الترويض.
أغوت "كارمن" جنديًّا شابًا يُدعى دون خوسيه، وما لبث أن تخلى عن خطيبته "ميكاييلا"- التي حملت إليه رسالة من أمه، وأودعت ثغره قبلة أوصت بها الوالدة القلقة على ابنها- كرمى لعيون الغجريّة الفاتنة والمشاكسة، التي اعتقلها عندما طعنت زميلة لها بسكين، وكانت السبب في سجنه لأنه سمح لها بالفرار لقاء ليلة ماجنة.
وأُدخلت لمسة فنية لبنانية لطيفة على الأوبرا مع وصلة "يا ليلي يا ليل" ومشهديّة الرقص الغجري التعبيري، الذي تماهى مع الأنغام المنتقاة بعناية، قبل أن يقتحم القصة مصارع الثيران "إسكاميليو" الذي أعجب بكارمن ووقع في حبها.
وبعد إخلاء سبيل الجندي خوسيه من السجن، التقى بكارمن وصارحها بمعاناته بعيدا عنها، وبدأ الصراع لديه ما بين الانصياع لنداء قلبه، وتلبية نداء الواجب بعدما سمع صوت بوق النفير يدعوه للإلتحاق بفرقته العسكرية، وكاد يقتله الضابط المسؤول عنه لأنه تخلّف عن الموعد، ولكن المهربين الخارجين عن القانون أنقذوه وجعلوه يحيد عن الطريق الصواب، كما اصطحبوا فتيات جميلات، لأن أعمال الغش والسرقة والخداع والتهريب برأيهم يسَّهلها وجود الحسناوات.
أما الغجرية "كارمن" التي اعتادت التنقل من شاب إلى آخر، كما تلثم النحلة رحيق الزهور في الحدائق والحقول، مال قلبها إلى مصارع الثيران، ولم تسعف خوسيه كل توسلاته لها، وكل ما يكنّه من مشاعر نحوها. وفي حلبة مصارعة الثيران تحققت المأساة التي كانت قد كشفتها لها رموز أوراق ال (Cartomancy) للتنبؤ بالمستقبل، فاستقبلت خنجر خوسيه بذراعين مفتوحتين لغدر طعنات عاشق أعمت الغيرة بصره وبصيرته، فغرز حقده في صدر حبيبته، وامتزجت على مدرجات معبد "باخوس" هتافات المشجعين في ستاد مصارعة الثيران مع تأوهات ندامة عاشق قتل المرأة التي حولّته من جندي متمسّك بالقانون والنِّظام إلى شقي خارج على القانون ومجرم مطلوب للعدالة.